سورة يونس - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{قُل لَّوْ شَاء الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ} يعني أن تلاوته ليست إلا بمشيئة الله وإظهاره أمراً عجيباً خارجاً عن العادات، وهو أن يخرج رجل أمي لم يتعلم ولم يشاهد العلماء فيقرأ عليكم كتاباً فصيحاً يغلب كل كلام فصيح ويعلو على كل منثور ومنظوم، مشحوناً بعلوم الأصول والفروع والإخبار عن الغيوب التي لا يعلمها إلا الله {وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ} ولا أعلمكم الله بالقرآن على لساني {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مّن قَبْلِهِ} من قبل نزول القرآن أي فقد أقمت فيما بينكم أربعين سنة ولم تعرفوني متعاطياً شيئاً من نحوه ولا قدرت عليه، ولا كنت موصوفاً بعلم وبيان فتتهموني بإختراعه {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} فتعلموا أنه ليس إلا من عند الله لا من مثلي، وهذا جواب عما دسوه تحت قولهم أئت بقرآن غير هذا من إضافة الافتراء إليه.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} يحتمل أن يريد افتراء المشركين على الله في أنه ذو شريك وذو ولد، وأن يكون تفادياً مما أضافوه إليه من الافتراء {أو كذّب بآياته} بالقرآن، فيه بيان أن الكاذب على الله والمكذب بآياته في الكفر سواء {إِنَّهُ لا يُفْلَحُ الْمُجرِمُون}


{وَيَعَبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَالا يَضُرُّهُمْ} إن تركوا عبادتها {وَلاَ يَنفَعُهُمْ} إن عبدوها {وَيَقُولُونَ هَؤُلاء} أي الأصنام {شفعاؤنا عِندَ الله} أي في أمر الدنيا ومعيشتها لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} [النحل: 38] أو يوم القيامة أن يكن بعث ونشور {قُلْ أَتُنَبّئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ} أتخبرونه بكونهم شفعاء عنده وهو إنباء بما ليس بمعلوم لله، وإذا لم يكن معلوماً له وهو عالم بجميع المعلومات لم يكن شيئاً. وقوله {فِى السماوات وَلاَ فِى الأرض} تأكيد لنفيه لأن ما لم يوجد فيهما فهو معدوم {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} نزَّه ذاته عن أن يكون له شريك. وبالتاء: حمزة وعلي وما موصولة أو مصدرية، أي عن الشركاء الذين يشركونهم به، أو عن إشراكهم {وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} حنفاء متفقين على ملة واحدة من غير أن يختلفوا بينهم، وذلك في عهد آدم عليه السلام إلى أن قتل قابيل هابيل، أو بعد الطوفان حين لم يذر الله من الكافرين دياراً {فاختلفوا} فصاروا مللاً {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} وهو تأخير الحكم بينهم إلى يوم القيامة {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} عاجلاً {فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فيما اختلفوا فيه وليميز المحق من المبطل وسبق كلمته لحكمة، وهي أن هذه الدار دار تكليف وتلك الدار دار ثواب وعقاب.
{وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ ءايَةٌ مّن رَّبّهِ} أي آية من الآيات التي اقترحوها {فَقُلْ إِنَّمَا الغيب للَّهِ} أي هو المختص بعلم الغيب فهو العالم بالصارف عن إنزال الآيات المقترحة لا غير {فانتظروا} نزول ما اقترحتموه {إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ الْمُنتَظِرينَ} لما يفعل الله بكم لعنادكم وجحودكم الآيات.


{وَإِذَا أَذَقْنَا الناس} أهل مكة {رَحْمَةً} خصباً وسعة {مّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ} يعني القحط والجوع {إذا لهم مَّكْرٌ في ءاياتنا} أي مكروا بآياتنا بدفعها وإنكارها. رُوي أنه تعالى سلط القحط سبع سنين على أهل مكة حتى كادوا يهلكون ثم رحمهم بالحياة، فلما رحمهم طفقوا يطعنون في آيات الله ويعادون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكيدونه ف {إذا} الأولى للشرط، والثانية جوابها وهي للمفاجأة وهو كقوله {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] أي وإن تصبهم سيئة قنطوا، وإذا أذقنا الناس رحمة مكروا. والمكر إخفاء الكيد وطيه من الجارية الممكورة المطوية الخلق، ومعنى مستهم خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم. وإنما قال: {قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْرًا} ولم يصفهم بسرعة المكر لأن كلمة المفاجأة دلت على ذلك كأنه قال: وإذا رحمناهم من بعد ضراء فاجأوا وقوع المكر منهم وسارعوا إليه قبل أن يغسلوا رؤوسهم من مس الضراء {إِنَّ رُسُلَنَا} يعني الحفظة {يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} إعلام بأن ما تظنونه خافياً لا يخفى على الله وهو منتقم منكم. وبالياء: سهل.
{هُوَ الذى يُسَيّرُكُمْ فِى البر والبحر} يجعلكم قادرين على قطع المسافات بالأرجل والدواب والفلك الجارية في البحار، أو يخلق فيكم السير {ينشرُكم} شامي {حتى إِذَا كُنتُمْ فِى الفلك} أي السفن {وَجَرَيْنَ} أي السفن {بِهِمُ} بمن فيها رجوع من الخطاب إلى الغيبة للمبالغة {بِرِيحٍ طَيّبَةٍ} لينة الهبوب لا عاصفة ولا ضعيفة {وَفَرِحُواْ بِهَا} بتلك الريح للينها واستقامتها {جَاءتْهَا} أي الفلك أو الريح الطيبة أي تلقتها {رِيحٌ عَاصِفٌ} ذات عصف أي شديدة الهبوب {وَجَاءهُمُ الموج} هو ما علا على الماء {مّن كُلّ مَكَانٍ} من البحر أو من جميع أمكنة الموج {وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} أهلكوا جعل إحاطة العدو بالحي مثلاً في الإهلاك {دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} من غير إشراك به لأنهم لا يدعون حينئذ معه غيره يقولون: {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه} الأهوال أو من هذه الريح {لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين} لنعمتك مؤمنين بك متمسكين بطاعتك، ولم يجعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر ولكن مضمون الجملة الشرطية الواقعة بعد {حتى} بما في حيزها كأنه قيل: يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثة وكان كيت وكيت من مجيء الريح العاصف وتراكم الأمواج والظن بالهلاك والدعاء بالإنجاء، وجواب: {إذا} {جاءتها} و{دعوا} بدل من {ظنوا} لأن دعاءهم من لوازم ظنهم للهلاك فهو ملتبس به.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8